رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في الإسلام


رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في الإسلام

إعداد د/ملهمة خضر

الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية

 

إن الإسلام قد تضمن الكثير من الأحكام الشرعية التي نبهت على ضرورة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة في كثير من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة. وكذلك فعل الخلفاء والحكام وعامة المسلمين على مر تاريخ الإسلام، حين كان الإسلام والمسلمون في عزة ومنعة وسؤدد، وقد حظي ذوو الاحتياجات الخاصة بأحسن رعاية وأفضل اهتمام ، حتى وصل الأمر بأن عاتب الله عز وجل رسوله عليه الصلاة السلام حين لم يلتفت إلى ابن أم مكتوم رضي الله عنه حين جاء يسأل عن شيء من أمر الإسلام ، فأنزل الله في ذلك قرآنا قال تعالي(  عَبَسَ وَتَوَلَّى{1} أَن جَاءهُ الْأَعْمَى{2} وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى{3} أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى{4}   وبعدها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لقيه يقول له :(مرحبا بمن عاتبني فيه ربي )  ، وهذه المنزلة وهذا التكريم والتنويه الرباني الذي حظي به ابن أم مكتوم الأعمى، لم يحظ به أي صحابي آخر، وهذا يدلل بشكل واضح على أهمية وأجر من يرعى هؤلاء الأشد احتياجاً للرعاية.

عناية ذوي الاحتياجات الخاصة ورعايتهم في القرآن:

يمدح الله تعالى في كتابه العزيز بأنه يهدي لأقوم الطرق وأوضح السبل، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم جزاء كبيرًا في الدنيا والآخرة. وبالقرآن يُقام القسط وينشر العدل ويرفع الظلم، فيأخذ كل ذي حق حقه، الصحيح والمعوق، والضعيف والقوي، والقادر والعاجز، والصغير والكبير، والذكر والأنثى. وفي القرآن آيات كثيرة تبين مكانة ذوي الإعاقة، وتنوه إلى فضلهم وحقوقهم وواجباتهم وكيفية احترامهم، ومن ذلك:

  أ.تكريمهم: كرم الله تعالى الناس وجعل مناط التمييز بينهم التقوى، ولم يجعله بناء على الأشكال قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ، ودرجة الاستدلال بهذه الآية أن مقياس التفاضل بين الناس ليس الدم ولا العرق ولا العائلة، بل إن أكرم الناس على الله وأقربهم إليه هم المتقون،بغض النظر عن صحة أجسامهم أو اعتلالها،  فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، ولكن يتفاضلون بالأمور الدينية وهي طاعة الله تعالى ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ب. الأمر بآداء حقوقهم: يعتبر الإسلام أفراد المجتمع إخوة تجمعهم رابطة الإيمان بالله تعالى ،  قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } الرابطة مقدمة على رابطة النسب، ولا فرق في ذلك بين ذوي الإعاقة وغيرهم، وانطلاقًا من ذلك فقد رتب القرآن على هذه المساواة حقوقًا للمسلم على أخيه المسلم لا يعفيه من أدائها ضعف أصحابها، وعدم قدرتهم على تحصيلها. إن ضعفهم هذا جعلهم أولى الناس وأحقهم في تحصيل حقوقهم.

 ج: عدم النفور منهم: وجه القرآن الكريم المسلمين إلى عدم النفور من ذوي الإعاقة بالبعد عنهم، وقد حض القرآن على مخالطتهم ومجالستهم في المأكل والمشرب، فقد كان النفور منهم شائعًا قبل الإسلام، قال تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون(

د. تحريم السخرية منهم:ينوه القرآن إلى عدم السخرية أو الانتقاص أو التنابز بالألقاب بين أفراد المجتمع الإسلامي، وأولى الناس بأن يوصى بهم ذوو الاحتياجات الخاصة؛ لأنهم الأكثر عرضة لهذا الأمر. قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا  أنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }

هـ. تبشير ذوي الإعاقة بالجنة : إن الله رفع مكانة ذوي الإعاقة؛ لصبرهم على البلاء، فبشرهم بقوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }

عناية ذوي الاحتياجات الخاصة ورعايتهم في السنة:

وفي السنة النبوية الشريفة مواقف وأحاديث كثيرة تبين رحمة النبي بذوي الإعاقة، وتبين فضلهم  ومكانتهم  ، وما أعده الله لهم، ومن ذلك:

أ. أنهم سبب الرزق: عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقول: "أبغوني الضعفاء،   فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم" 

ب. وجوب الرحمة بهم: روى سعد بن عبادة  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنما يرحم الله من عباده الرحماء)  ، ومن هدي الحديث: الرحمة بكل ضعيف، والرحمة بكل من هو بحاجة إلى مساعدة ، ورحمة الكبير بالصغير. ومن أكثر الناس حاجة إلى الرحمة هم ذوي الاحتياجات الخاصة ، فهم سبب لنيل رحمة الله تعالى التي بها يدخل أهل الجنة الجنة.

ج.الحث على معاونتهم: عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه  ولا يسلمه، ومن كان في حاجه أخيه كان الله في حاجته) ، فهذا الحديث الشريف يبين "أن على  صاحب الحاجة أن يحرص على بناء علاقاته مع غيره  على أساس الأخوة الإسلامية، فالمسلم  الصادق لا يظلم ولا يخذل  ، ومن بركات ذوي الإعاقة  أن الله يقضي حاجة من يقضي لهم حاجتهم . أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: (أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس  وأحب الأعمال إلى الله _عز وجل_ سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه دينه ،  أو يطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد  (يعني: مسجد المدينة) شهرًا، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه _ولو شاء أن  يمضيه أمضاه_ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجه حتى تتهيأ له، ثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام)

د. من فقد بصره فصبر واحتسب عوضه الله الجنة: عن أبي هريرة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل: ( من أذهبت حبيبته فصبر واحتسب لم أرض له ثوابًا دون الجنة)  . وعن  أنس بن مالك قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة، يريد عينيه)  .

هـ. النبي صلى الله عليه وسلم يلبي دعوة ضرير:عن عتبان بن مالك  أنه أتى رسول الله صلى الله عليه سلم فقال: يارسول  الله إني قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي، وإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم ولم أستطع أن آتي مسجدهم فأصّلي لهم، وددت أنك يا رسول الله تأتي فتصّلي في مصلانا فنتخذه مصلى فقال رسول الله سأفعل إن شاء الله، قال عتبان: فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله حتى دخل البيت، ثم قال: أين تحب أن أصلي  من بيتك؟ قال: فأشرت إلى ناحية من البيت، فقام فكبر  فقمنا وراءه، فصلى ركعتين ثم سلم، قال: فثاب رجل من أهل الدار حولنا حتى اجتمع في البيت عدد كثير من الرجال  .

 

29/11/2019
00:27 AM